لقد تعب الناس فى بلادى ويئس البسطاء من العيش الكريم حتى فى أقل حدوده الممكنة واصبح الأنين مسموعاً فى كل جنبات الوطن وكثيراً ما يصل الأنين إلى حد الصراخ .. وأصبح الشعب كله تقريبا فئة واحدة هى فئة المتألمين المتوجعين.. فى الوقت الذى تنظر اليهم شذراً وإشمئزازاً فئة الصفوة لأن عويل وصراخ هؤلاء لمتألمين قد يزعجهم ويعكر عليهم صفوهم أحيانًا ..فئة الصفوة تلك التى تتمتع بكل خيرات ومكاسب هذا الوطن دون غيرهم تستكثر على المعذبين والمتألمين حتى التأوه والتوجع بل ويثير ذلك تحفظها وحفيظته وتحفزها ضدهم .. أختل ميزان العدل الأجتماعى وتجمعت ثروة وموارد الوطن فى يد أفراد لايمثلوا إلا شريحه ضئيلة للغاية ..هيمنوا وبسطوا نفوذهم على طول وعرض هذا الوطن الأمين ويرفضون أو يستكثرون القيام بواجبهم تجاه مجتمعهم الذى يعانى الأمرين الناتج عن التحول الحاد إلى نظام السوق الحر وإعتناق الرأسمالية مذهباً ولم يحاولوا التخفيف من وطأة وشدة معاناة جل شرائح المجتمع من الأثار السلبية لهذا التحول و نسوا مسئوليتهم تماماً فى الوقت الذى تحملها ومازال وسيظل يتحملها راضين وقانعين نظرائهم فى الغرب معقل النظام الرأسمالى ..والحكومة لم تلزمهم بشئ من تلك المسئولية بل و تعجز عن إلزامهم بشئ منها ..أنهم فقط يلهثون وراء السيطرة والإستئثار بمكاسب تلك المرحلة دون النظر إلى أى واجب إجتماعى تجاه الطبقات الأخرى.. ولقد فشلت الدولة فى إتخاذ تدابير وإجراءات تحمى بها فئات الشعب المتضررة من هذا التحول بل ووضعت نفسها فى سلة واحدة مع الفئة النخبوية المستغلة الحاصدة لمكاسب التحول المذكور بل وجعلتهم على رأس السلطة فعانى الشعب الأمرين .. مرة من إستأثارهم بالمكاسب الإقتصادية و مرة من نفوذهم السلطوى الذى و بالطبع لا يحمى إلا مكتسباتهم ومكاسبهم الطفيلية بما يتم إتخاذه من إجراءات و قوانين فى مواجهة باقى الفئات المطحونة ..والناظر للإحوال فى مصرنا يجد أن تلك الفئة قد قسمت وأقتسمت الوطن فيما بينها وجعلته كارتيل كبير كلاًًً يتحكم بموجبه فى شأن من شئون الشعب ويحتكره أحتكاراً تاماً سواء كان هذا الإحتكار أقتصادياً أو سياسياً ..حتى أن الفئات المتضررة من هذا الإحتكار سارت بقصد أو دون قصد على نفس النهج الإحتكارى فأصبح من قبيل العادى والمألوف أن يتم إحتكار كثير من الوظائف لأبناء العاملين فيها وتكون الأولوية فيها لهؤلاء الأبناء كوظائف القضاء والإعلام وهيئات التدريس الجامعى والشرطة وغيرها ربما لمحاولة الفوز ولو بالقليل من كعكة هذا الوطن فى ظل تكالب الجميع على الفوز بالمكاسب دون تحمل واجبات أو مسئوليات .. واعتقد أن الحكومة ساهمت بشكل كبير وغير مسبوق فى تكريس مفهوم القوة لدى طبقة الصفوة هذه بالسماح لها بالجمع بين سلطة المال وسلطة النفوذ وهى بذلك تعادى طبقات الشعب العريضة وتولد لديهم روح السخط وعدم الرضا بل وعدم الولاء حين يرون حزب رجال الأعمال والبزنس يتحكمون فى ثرواتهم وأقواتهم وحزباً واحد أوحد يحتكر حكم وطنهم... ليس هذا فحسب بل أن تلك الحكومة قامت بإثقال كاهل تلك الطبقات بتجميد الأجور وإطلاق يد المحتكرين لرفع الأسعار دون محاسبة أو مراقبة حتى من قبل جهاز حماية الإحتكار المزعوم (منع الإحتكار سابقاً ) والذى فشل فشلاً ذريعاً حتى الآن فى الوقوف فى وجه أباطرة المحتكرين أو الزود عن طبقات المجتمع المتضررة .. لقد كانت حجة الحكومة فى تفسيرها لإرتفاع الأسعار ساذجاً حيث تذرعت بالزيادة العالمية فى الأسعار وهى حقيقة لا ننكرها ولكن هل الحكومة تعطى للشعب المصرى أجوره طبقاً لمناسيب ومقاييس الدخل العالمية حتى يتحمل تلك الزيادات العالمية فى الأسعار من منطلق أن من له فى الغنم لابد وأن يتحمل ما عليه فى الغرم ..أعتقد أن الأجابة لا والف لا .. والحكومة أيضاً لا تدعم تلك الطبقات المتضررة لأن الدعم يذكر حين يكون الدخل ملبى لإحتياجات المواطن دون معاناة أوعوز وقتها إذا تدخلت الحكومة وأرادت أن تعطى مكرمة وتخفض من سعر سلعة أو لاترفع سعر تلك السلعة وأن تتحمل هى فرق السعر عندئذ يكون هناك دعم ..أما أن تتجمد الأجور ولا تزيد بنسب الزيادة السنوية للإسعار عندئذ تكون الحكومة قد إحتجزت جزء من دخل المواطن كان يستحقه ثم تستخدم هذا الدخل المحتجز فى مواجهة إرتفاع الأسعار وتطلق عليه دعماً.. أو حين تٌزيد الأجور بنسب غير مُحققة للتوازن بينها و بين الأسعار ثم تقوم بتدبير الموارد اللازمة لتمويل تلك الزيادات بإستقطاعها مقدماً من دخل هذة الفئات المطحونة وذلك برفع سعر بعض السلع والخدمات أو فرض رسوم و ضرائب عليها ولانجد أحد يتحمل عبء هذه الزيادات غيرهم !!! ..ولنا عبرة فى زيادات الأجور الوهمية فى أول مايو الحالى والتى قابلها رفع فورى قامت به الحكومة فى أسعار السجائر والسولار والديزل والبنزين وغيرها أى أنها تقوم بجباية قيمة ما قررته من زيادة مقدماً ومن جيوب الفقراء وقبل أن يحل موعد تسليم الرواتب فى نهاية مايو !!! .. وتلازم مع قرار زيادة الأسعار ودون إبطاء نقل عبء هذه الزيادات إلى الفئات التى أرادوا مساعدتها فقام مثلاً السائقون وأصحاب السيارات وفوراً برفع تعريفة الركوب وتعريفة نقل البضائع مما يستتبعه رفع سعر السلع التى يدفع ثمنهاالبسطاء ويتحملوا عبئها أى أن الحكومة فى حقيقة الأمر لم تفعل شئ لمساعدة هؤلاء الناس بل سلبت منهم تلك الزيادة المزعومة حتى قبل أن يقبضوها.. الحكومة فقدت هيبتها وأرتخت قبضتها وضعفت رقابتها ولنا أن ننظر إلى حال الأسواق على إختلافها سواء كان سوق السلع أو سوق العمل وما يجرى فيهما ففى سوق السلع تركت التجار يلتهمون المواطنين ويلهبون ظهورهم كل حين بقفزات جنونية فى الأسعار لا تستند لأى منطق إقتصادى أو غير إقتصادى .. وكذلك تركت التجار يبيعون السلع المقلدة والمهربة والمغشوشة حتى فى الدواء دون خوف أو وجل وعرفت مصر أسوأ عهود الإحتكار وفرض الغلاء القصرى على شعبها الذى لايجد من يدافع عنه .. وفى سوق العمل أطلقت يد أصحاب الأعمال فى إستعباد وإذلال العاملين الذين يقبلون بالأوضاع المذلة والمهينة والشروط المجحفة بسبب البطالة المريعة التى وصلت الى أكثر من 12 مليون مواطن عاطل ولأنه لم يجد من يحميه من تغول أصحاب الأعمال أو يوفر له فرصة عمل كريمة .. والمطلوب هو الإنحياز لبسطاء هذا الوطن وطبقاته الفقيرة والمعدمة والوسطى والتى إنضمت أو كادت تنضم للطبقة العريضة من الشعب وهى الطبقة المعدمة .. لأن تلك الطبقات هى ملح هذا الوطن وزاده وطلائعه الوثابة وهو يرنو إلى آفاق المستقبل . حامد عبد الحليم الأطير .صحفى ومحاسب قانونى hamed_elatiar@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق